جورج سوروس - الملياردير الذي لم يفسده المال
![1.png](/storage/uploads/images/1585643743-4a47a0db6e60853dedfcfdf08a5ca249.png)
المستثمر وفاعل الخير والناشط الاجتماعي والكاتب والرجل الذي يحتل المرتبة 56 ضمن قائمة أغنى أغنياء العالم وفقا لمجلة فوربس، وأخيرا وبدون تردد: الأسطورة! ربما أدركت عمّن نتحدث هنا. كل هذه الألقاب أطلقت على رجل الأعمال الأمريكي الشهير جورج سوروس، والتي استحقها طبعا عن مجمل ما قام به في سنواته الـ 89. يمكنك أن تطلق عليه أي لقب تشاء، لكن الحق يُقال: لطالما كان هذا الرجل حديث الناس لعقود من الزمن، وخاصة بعد الليلة التي كسب فيها مليار دولار. نعم هذا صحيح — مليار دولار أمريكي!
كيف تمكن سوروس من القيام بذلك؟ ما الأحداث الأخرى التي مر بها والإنجازات التي حققها؟ ولماذا يعتبر هذا الرجل مثالا يحتذى به بين صفوف متداولي الفوركس وفي العالم عموما؟ نستعرض لكم اليوم قصة المتداول الأشهر وربما الأكثر كرما عبر التاريخ.
طفل برّاق وحياة قاتمة
![2.png](/storage/uploads/images/1585643741-fb5c81ed3a220004b71069645f112867.png)
بداية، تجدر الإشارة إلى أن قصة حياة جورج ليست كقصص الأبطال الذين بدأوا من الصفر. ولد جورج في عام 1930 تحت اسم جيورجي شوارتز، وهو ينتمي إلى عائلة يهودية من الطبقة المتوسطة عاشت في بودابست وكانت حالتهم المادية كفيلة بتوفير مستقبل لامع لابنهم الطموح. ومع ذلك، ونظرا للخلفية التي ينحدر منها والظروف التي سادت تلك الفترة، فقد أرخت الحرب بظلالها على حياة جورج.
اضطر إثر ذلك لاستخدام اسم مستعار ووثائق مزورة إضافة لتفرق أفراد العائلة واختبائهم والخوف المستمر من القبض عليهم وقتلهم .. وفي ظل هذه الظروف الرهيبة، تمكن أقرباء سوروس من مساعدة من يعيشون حالات مشابهة، ثم تمكنت العائلة لحسن الحظ من النجاة، وفي عمر السابعة عشر، هاجر جورج إلى إنجلترا بهدف الدراسة وأن يصبح فيلسوفا.
أيام الشباب في لندن بحلوها ومرّها
![3.png](/storage/uploads/images/1585643742-10fb15c77258a991b0028080a64fb42d.png)
خمّن الجامعة التي دخلها جورج سوروس في لندن. قد تذهب مخيلة البعض إلى جامعة ذات تصنيف متأخر نظرا للحرمان الكبير الذي عاشه في سنوات الحرب. فيما قد يتساءل البعض الآخر كيف أمكنه الدراسة بدلا من العمل بجد لتأمين مستلزمات حياته. في الحقيقة، جمع جورج بين الدراسة والعمل بدوام جزئي كنادل وحامل أمتعة في السكك الحديدية ليتمكن من سدّ نفقاته الدراسية. وبالعودة إلى حديثنا، فقد كانت الجامعة التي التحق بها هي مدرسة لندن للاقتصاد (LSE).
ليس سيئا، صحيح؟ أقام جورج في منزل عمه ودرس في إحدى أعرق الجامعات في لندن تحت إشراف الفيلسوف الشهير كارل بوبر. ترك هذا أثرا كبيرا في نفس الشاب الذي تشارك ومعلمه نفس الأفكار، لكنه أدرك في نهاية المطاف أنه أكثر ميلا واهتماما بالاقتصاد. بعد عمله لمدة عامين في البنك التجاري Singer & Friedlander وحصوله على درجتي الدبلوم والماستر في جامعة (LSE)، انتقل جورج بعمر الـ 26 إلى نيويورك. وهناك بدأت المغامرة المشوقة.
رجل إنجليزي .. عفوا يهودي في نيويورك (اقتباسا عن الأغنية الشهيرة)
![4.png](/storage/uploads/images/1585643742-09dd8c2662b96ce14928333f055c5580.png)
في الولايات المتحدة، بدأ سوروس بتداول المراجحة مع التركيز على الأسهم الأوروبية التي كانت تحقق شعبية وانتشارا واسعا في ذلك الوقت. ثم عمل في عدد من الشركات في وول ستريت كمتداول ومحلل دون التخلي عن دراسة الفلسفة وتطوير الأفكار التي تلقاها من معلمه كارل بوبر. في عمر الـ 37، أدار أول صندوق خارجي له «offshore fund» وأول صندوق من نوع «Eagle Fund» لاختبار عدد من استراتيجيات التداول. نجحت التجربة وتم إطلاق تاني صناديق التحوط «Double Eagle» بعد ذلك بعامين. في عام 1973، بلغ إجمالي رأس مال المستثمرين لديه 12 مليون دولار أمريكي. لكن سوروس ومساعده جيم روجرز قررا المغادرة وتأسيس صندوق سوروس التحوطي «Soros Fund» الذي تمت تسميته لاحقا بصندوق «Quantum Fund». وخلال 9 سنوات، ارتفع رأس مال الاستثمار إلى 381 مليون دولار أمريكي.
بالتوازي مع نشاطه في مجال التداول، يعرف عن سوروس انخراطه في الأعمال الخيرية. لم يدفعه النجاح ليصير شخصا جشعا أو أنانيا، بل على العكس فقد قام بتخصيص جزء جيد من ثروته لمساعدة المحتاجين. في عمر الـ 54، قام بتأسيس صندوق المجتمع المفتوح «Open Society Foundations» لدعم المبادرات العالمية الخاصة بتطوير التعليم والصحة العامة والأعمال وحرية الرأي والمساواة والعدالة في كافة أنحاء العالم. يالها من قصة ملهمة لناجٍ من أهوال الحرب والملاحقة!
اليوم العظيم
![5.png](/storage/uploads/images/1585643742-8266e4bfeda1bd42d8f9794eb4ea0a13.png)
ليتمكن المرء من تقديم مساعدات بهذا الحجم، يجب أن يكون واثقا من قدرته وثباته، وهو ما برع فيه جورج سوروس. حققت صناديقه الاستثمارية متوسط عائد سنوي ثابتا وهائلا (وصل في إحدى المرات إلى 122%!). لكن يوما ليس كغيره كان الأكثر تميزا في حياة سوروس. في عام 1992، راهن على أزمة العملة البريطانية بمبلغ كبير مقابل الجنيه الإسترليني وتمكن من كسب مليار خلال ليلة واحدة. في تلك اللحظة بالذات، لم يحقق مبلغا هائلا فحسب، بل لقبا مثيرا أيضا: الرجل الذي تسبب بعجز بنك إنجلترا، وهو ما أكسبه احترام العديد من رجال السياسة والاقتصاد البارزين، وحتى قادة الدول، ومنحه القدرة في التأثير على الأحداث الاقتصادية والسياسية على مستوى العالم. لم تتلاشى قيمة هذا الإنجاز حتى مع إخفاقه الكبير حين خسر المال في رهان خاطئ على الين الياباني عام 1994، ولا عند تغريمه نظرا لتداوله من الداخل على أسهم البنك الفرنسي (سوسيتيه جنرال).
النجم الذي لم يخبو
![6.png](/storage/uploads/images/1585643742-f19c9085129709ee14d013be869df69b.png)
من خلال تجريبه لاستراتيجيات جديدة، ومضاربته على العديد من تحركات السوق والأزمة المالية العالمية عام 2008، تمكن سوروس من تحقيق صافي أرباح يقدر بـ 8.3 مليار دولار أمريكي بحلول فبراير 2020. طوال أربعين عاما تمتد بين 1969 و 2009، تمكن من مضاعفة استثماراته بنسبة 26.3%، وهي أكبر من النسبة التي حققها وارن بافيت خلال المدة ذاتها (21.4%).
في الوقت الراهن، لا يزال سوروس رئيسا لشركة «Soros Fund Management LLC» التي أصبحت ملكية عائلية خاصة بعد إعادة أموال المستثمرين من خارج العائلة. علاوة على ذلك، يواصل الرجل التبرع بالمال لمؤسسات المجتمع المفتوح التي تطلق برامج متنوعة في أكثر من 100 بلدا، وتملك 37 مكتبا إقليميا. يحرص سوروس على الاطلاع الدائم على الأحداث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الرئيسية، ويعبر عن مواقفه وآرائه عبر المقابلات التي يجريها والتغريدات التي ينشرها على تويتر (بعمر الـ 89 نعم!). تشهد كتبه العديدة إقبالا واسعا ويتم بيعها في كل أنحاء العالم بالتوازي مع تلك التي تتناول سيرته الذاتية.
لا مجال للتطرق إلى حياة سوروس بكافة تفاصيلها، لكننا نأمل أن تقدم لك مقالتنا فكرة عن الرجل ومكانته. يمكنك دائما أن تحقق نجاحا باهرا في مجال التداول حتى إذا بدت كل الظروف غير مؤاتية.