تقرير مُصور - ألمانيا: المُنقذ المُنتظر للاتحاد الأوروبي؟!
- ألمانيا، حالها كحال جميع دول العالم، لم تسلم من الوباء العالمي غير المتوقع، الذي خلّف ورائه دمار منقطع النظير، وتبعات لن تتعافى منها البلاد إلا بعد سنين طويلة، وذكريات لن تُمحى من عقولنا بسهولة.
ومع ذلك، صمّد الاقتصاد الألماني، أقوى اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، أمام هذه الأزمة الصحية العالمية بشكل أفضل من معظم جيرانه. وأثبتت التجربة الألمانية جدارتها في السيطرة على انتشار فيروس كورونا، فكيف فعلت هذا؟ وهل ستستطيع إنقاذ الاتحاد الأوروبي وحدها؟ وما موقف اليورو من كل هذه الدراما؟
- الإجراءات التي اتخذتها ألمانيا لحماية الاقتصاد وتخفيف الصدمة:
1) إجراءات الإغلاق المبكر والمعتدلة والخفيفة نسبيًا، مما سمح لبعض الأنشطة الاجتماعية والصناعية والاقتصادية بالبقاء مفتوحة ومستمرة بالعمل، وحتى في أثناء ذروة الوباء.
2) خفض معدلات ضريبة القيمة المضافة من 1 يوليو وإلى نهاية 2020، لدفع الألمانيين لزيادة الاستهلاك والإنفاق.
3) ضخ 130 مليار يورو إضافيين لدعم الاقتصاد المتضرر بشدة من تداعيات فيروس كورونا، ليصل إجمالي صندوق الإنقاذ الألماني والتحفيزات المالية المُقدمة منذ بداية الوباء إلى 1.3 تريليون يورو (4% من الناتج المحلي الإجمالي)، وهو الأكبر على الإطلاق في أوروبا.
4) طبقت الحكومة نظام عمل بساعات قصيرة، مما سمح للشركات بتقليص ساعات عمل الموظفين خلال فترة الانكماش الاقتصادي حتى يستمروا في الحصول على رواتبهم دون الحاجة لتسريحهم.
5) البنية التحتية القوية لنظام الرعاية الصحية وتتبع الحالات المبكر مما أدى إلى انخفاض أعداد الوفيات ومعرفة أماكن انتشار الفيروس والسيطرة عليها.
- تأثيرات فيروس كورونا على الاقتصاد الألماني:
1) معدلات البطالة وأعداد العاطلين: ارتفعت البطالة في ألمانيا بنسبة 0.1% فقط إلى 6.4% في يونيو بسبب نظام تقليص ساعات العمل الذي خفف من وطأة الضربة الاقتصادية. ووصلت أعداد العاطلين عن العمل إلى 2.9 مليون شخص في ألمانيا الشهر الماضي.
- وبالرغم من ارتفاع البطالة إلا أنها جاءت بوتيرة أبطأ من المتوقع بسبب إجراءات الحكومة، إذ ارتفع عدد العاطلين عن العمل بمقدار 69 ألفًا فقط، وهو أقل بكثير من التوقعات (120 ألفًا).
- ومن الجدير بالذكر أن سوق العمل في ألمانيا، دخل أزمة كورونا بالعاملة الكاملة وبطاقته التوظيفية القصوى تقريبًا ومع نظام تقليص ساعات العمل الذي حافظ على 10 مليون شخص من فقدان وظائفهم، مما حمى السوق من الانهيار بسبب الوباء. ولكن يخشى الاقتصاديون من أن يكون هذا الدعم أجّل فقط الانهيار، ولكنه لم يتفاده. وسيتوقف الأمر كله على المستهلك الألماني وأن يبدأ في الأنفاق مرة أخرى حتي تعود عجلة الإنتاج للعمل.
2) مبيعات التجزئة: انتعشت مبيعات التجزئة بقوة في ألمانيا في مايو الماضي، وقفزت من 6.5% في إبريل إلى 14% في مايو، مدعومة بالتسوق عبر الأنترنت مع خوف المستهلكين من التقاط العدوى إذا خرجوا من الأسواق مرة أخرى.
3) نمو الناتج المجلي الإجمالي: قال معهد الأبحاث "Ifo" الألماني إنه يتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.9٪ في الربع الثالث و3.8٪ في الربع الأخير من 2020، بعد انكماش بنسبة 11.9٪ في الربع الثاني، ليصل الانكماش في 2020 بأكملها إلى 6.7%، وهو أسوء ركود حدث في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية. ويرى المعهد أن الاقتصاد قد يعود إلى مستوى إنتاج العام الماضي في نهاية 2021.
- هل ستستطيع ألمانيا إنقاذ الاتحاد الأوروبي من أزمة فيروس كورونا وحدها؟
- تقع على عاتق ألمانيا مسؤولية ثقيلة، بحكم أنها أقوى اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، وهي إنقاذ المنطقة كلها، مع تعافيها بشكل أسرع من جيرانها. وفي حين أن الناتج المحلي الإجمالي الألماني سينكمش بحوالي 6% هذا العام، فإن التوقعات الخاصة بالاقتصادات الأوروبية الأربعة الكبرى كانت أسوأ بكثير: إيطاليا، سيتقلص اقتصادها بنسبة 9.2%، والمملكة المتحدة بنسبة 14%.
- ويرى وزير الاقتصاد الألماني أن ألمانيا ستكون القاطرة الاقتصادية التي ستسحب أوروبا والعالم كله من أعماق أزمة فيروس كورونا ولديها القدرة على التعافي سريعًا وشفاء الآخرين. وترجع هذه الثقة إلى عدة أسباب ومنهم:
1) نجاح النموذج الألماني في التعامل مع الفيروس والسيطرة على الوفيات بأرقام أقل بكثير من جيرانها (8.914 حالة وفاة فقط)، وهو خُمس الوفيات في بريطانيا.
2) لم تُغلق ألمانيا اقتصادها كاملًا لأسابيع طويلة مثلما حدث في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، التي لم يُسمح فيها للأفراد بالخروج إلا للضرورة القصوى.
3) التحفيزات المالية التي خففت من الآثار السلبية للوباء، والتي منعت موجة ضخمة من تسريح الموظفين مثلما حدث في الولايات المتحدة.
4) سرعة تأقلم الشركات والمصانع على الواقع الجديد، والعمل فورًا على احتياجات السوق المحلي والخارجي، مما أدي إلى استمرار الموظفين في العمل، وثبات الاقتصاد أمام هذا الإعصار.
5) الميزة القوية التي يتمتع بها الاقتصاد الألماني وهي: حاجة الاقتصاد العالمي لمنتجاته، خاصة السيارات والماكينات الألمانية المعروفة بمتانتها. فهذه الأسواق لم تمت كليًا حتى ولو توقفت الحياة فيها جزئيًا، وستعود للاستهلاك مرة أخرى بالتأكيد.
- ماذا حدث لليورو في زمن الوباء وإلى أين سيذهب؟
شهد اليورو تقلبات كبيرة خلال ذروة فيروس كورونا، إذ تراجع إلى مستويات 1.06 تقريبًا مقابل الدولار، في ظل انتشار حالة الخوف والهلع حول العالم. ونتيجة هذا؛ اتجاه الجميع نحو الدولار، بصفته ملاذ آمن، حتى أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن برنامج التيسير الكمي. وأدى ذلك إلى استقرار الأسواق نوعًا ما، وعاد الدولار أدراجه من جديد.
وبالتالي، ارتفع اليورو بقوة مرة أخرى نحو مستويات 1.14، واستقر منذ ذلك الحين عند نفس المستويات تقريبًا. وفي ظل استمرار التيسير الكمي من قبل الفيدرالي، فمن المتوقع أن تستمر حالة ضعف الدولار خلال الفترة المقبلة، بينما رفعت البنوك توقعاتها لليورو إلى مستويات 1.17 قبل نهاية 2020.
وفي النهاية، جاء إعصار فيروس كورونا ليُطيح بكل أوراقنا في الهواء، واضُطرت الحكومات إلى تمزيق خططها الاقتصادية وكتابة أخرى جديدة لتلائم الواقع الحديث الذي فرض نفسه علينا.