تقرير مُصوّر - النفط في زمن الكورونا.. عندما يلتهب عصب الاقتصاد

اقرأ المقالة على موقع FBS الالكتروني

شهد سوق النفط المزدهر واحدة من أحلك لحظاته في التاريخ، هذا الأسبوع، بسبب الجنون الذي أثاره فيروس كورونا في العالم!

فما الذي يحدث؟ وهل سينجو النفط؟ وما مصيره؟ وهل ستستفيد الأسواق من هذا النفط الرخيص؟!

1 (8).png

  • عرض سريع لانهيار النفط التاريخي وقصة العقود الآجلة للنفط:

توقفت الحياة من وراء فيروس كورونا؛ فالإنتاج متوقف والمصانع مظلمة، والطيران مُعلق، والتناقلات ممنوعة، واستهلاك الوقود والبنزين في تراجع. فلا أحد يستخدم النفط أو البنزين حاليًا، لذلك انهار الطلب العالمي على النفط.

2 (9).png

ومع ذلك لم يتوقف الإنتاج بنفس سرعة انهيار الطلب، فكانت النتيجة:- تخمة المعروض، ليصبح السوق غارقًا بالنفط الرخيص.

- لا يوجد مكان في العالم لتخزين براميل النفط المتراكمة التي لا يشتريها أحد لأن الخزانات اقتربت من سعتها القصوى وأصبحت ممتلئة بأكملها.

- وبالتالي، انهيار أسعار النفط وهبوط العقود الآجلة إلى المستويات السلبية حتى 40- دولار للمرة الأولى في التاريخ.

  • ما هي العقود الآجلة أو المستقبلية لشهر مايو التي سببت هذا الانهيار التاريخي؟

3 (8).png

- هي العقود التي اشتراها المضاربون في الأشهر الماضية، على أمل أن أزمة كورونا ستنتهي سريعًا وستعود الحياة إلى طبيعتها وسيعود الطلب على النفط مرة أخرى، ولكنهم لم يتمكنوا من بيعها بسعر مرتفع لتحقيق الأرباح قبل تاريخ استحقاقها في 20 إبريل. ولم يكن لديهم مكان لتخزين النفط فيه، فاضطروا لبيع هذه العقود بأي سعر، بل وصل الأمر بأنهم يدفعون للمشتريين حوالي 40 دولار فوق كل برميل ليتخلصوا منه، لأن تكلفة تخزينه ستكون أعلى.

- فانهارت أسعار النفط الأمريكي، خام غرب تكساس، هذا الانهيار التاريخي، ووصل أسعار عقود تسليم مايو إلى سالب 37 دولار، أي تشتري برميل النفط بدون مال وتأخذ عليه 37 دولار.

  •  هل ستواجه عقود تسليم يونيو نفس المصير؟

4 (9).png

- بعد الانهيار التاريخي، شهدت عقود يونيو انخفاضًا حادًا في أسعارها، ووصلت إلى 9.48 دولار، لترتفع  قليلًا قبل نهاية الاسبوع عند 17 دولار.

- ولكن هذا الانتعاش لن يدوم طويًلا لأنه كانت نتيجة بدء بعض منتجي النفط في تخفيض الإنتاج، وستعود الأسعار للانخفاض مرة أخرى إذا لم يتم تسليم العقود في موعدها.

- لذلك يبدو أن عقود يونيو ستواجه نفس المصير، إذا لم تنتهي أزمة كورونا خلال مايو، وسنظل في نفس الدائرة المفرغة؛ لا إنتاج، ولا استهلاك، ولا عمل، ولا طلب على النفط. والنتيجة؛ استمرار إغلاق المصانع، وفقدان الوظائف، وزيادة البطالة، وانهيار أسعار النفط والأسهم، واستمرار الخسائر.

فكلما ازدادت فترة إغلاق الدول بسبب فيروس كورونا، ستزداد أمامه فترة الركود وستتفاقم الأوضاع.

  • النفط الرخيص سلاح ذو حدين، كيف؟!

5 (11).png

رب ضارة نافعة، فقد يكون النفط الرخيص نقطة الانطلاق نحو تعافي الاقتصاد العالمي بعد انتهاء هذا الشلل الاقتصادي بسبب فيروس كورونا.

ولكن هل ستستفيد الأسواق والاقتصاد من انهيار أسعار النفط في زمن الكورونا وسط الظروف العالمية الاستثنائية التي أدت لانهيار الطلب على النفط بهذا الشكل غير المسبوق؟!

الإجابة ببساطة، نعم ولا.

لأن النفط الرخيص سلاح ذو حدين؛ من جهة، سيؤدي إلى انخفاض تكاليف النقل والتصنيع ويحافظ على بقاء أموال المستهلكين في جيوبهم - مما يخفف الظروف والأعباء المالية بشكل كبير. والبنزين سيكون رخيصًا، ولكن لن يستطيع أحد التحرك من منزله بسبب الحجر الصحي والإغلاق.

ومن الجهة الأخرى... قد يكون هذا النفط مدمرًا أيضًا لما يفعله في أسواق الأسهم من انهيارات وخسائر، وميزانيات الدول المنتجة للنفط التي تتقلص في لحظات، بالإضافة إلى زيادة مخاطر حدوث انكماش اقتصادي. فالنفط هو عصب الاقتصاد، فإذا انهار؛ تنهار معه العديد من القطاعات والصناعات.

  •  لماذا لم يتوقف إنتاج النفط؟

6 (10).png

توقف شركات النفط الإنتاج من خلال طريقتين؛ الأولى، عن طريق تقليص الإنفاق على حفر آبار جديدة. والثانية، هي إيقاف عمل الآبار النشطة، وهي عملية مكلفة للغاية.

وقد نسمع الفترة المقبلة عن إفلاس شركات النفط، لأن إيقاف إنتاج النفط ليس بسهولة إغلاق صنبور المياه، لماذا؟

لأن رحلة وصول النفط إلينا من الأنابيب قد تستغرق أسابيع، فكانت التغييرات الناتجة عن إغلاق الدول بسبب الوباء أسرع من عملية استخراج النفط. وعندما ينخفض الطلب والأسعار، يستغرق الأمر وقتًا لبدء إيقاف الآبار وتقليل الإنتاج. فنعم؛ إنتاج النفط حول العالم ينخفض، ولكن ليس بسرعة انخفاض الطلب.

كما أن عملية إعادة تشغيل الآبار بعد إغلاقها تمامًا ليست بهذه السهولة وعملية مكلفة للغاية، لذلك قد يُفضل منتجو النفط تحمل الخسائر لبعض الوقت مع إبقاء الآبار النشطة مفتوحة وإيقاف عمليات حفر الآبار الجديدة بدلًا من إيقاف الإنتاج كليًا. فهم ينظرون إلى المستقبل عندما تعود الأسعار للارتفاع ويزداد الطلب على النفط مرة أخرى، لأن وقتها سيحتاجون للعمل بكامل قوتهم لتلبية الطلبات.

ولكن الوضع حاليًا بسبب الكورونا لم نراه من قبل، فلا نعرف متى ستعود الحياة لطبيعتها مرة أخرى وهل سيعود الطلب على النفط كالسابق أم لا. وماذا سنفعل إذا حدثت موجة ثانية من الوباء تُجبرنا على إغلاق الدول ثانية؟

عندها، سينهار الطلب أكثر، وسيسحب معه أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة. فأكبر خطر يواجه النفط حاليًا، هو إشارة خاطئة حول موعد إعادة فتح الاقتصادات.

على سبيل المثال، إذا استقر سعر برميل النفط عند 20 دولارًا، ستقدم 533 شركة تنقيب وإنتاج النفط الأمريكي ملفًا لإعلان إفلاسها بحلول نهاية 2021، وفقًا لشركة "Rystad Energy". كما انخفض عدد الحفارات النشطة إلى أقل من 440 مقارنة بـ 825 حافرًا في نفس الوقت من العام الماضي، وفقًا لبيانات" Baker Hughes".

  •  توقعات: هل من الممكن أن تصل أسعار النفط إلى سالب 100 دولار؟

7 (8).png

إذا استمر إغلاق الاقتصادات واكتملت الخزانات ووصلت لسعتها القصوى، التي من المتوقع أن تحدث في أواخر مايو أو أول يونيو، قد نرى أسعار النفط تهبط إلى سالب 100 دولار للبرميل في مايو المقبل. وستصل الفوضى التي حدثت في سوق النفط الأمريكي إلى السوق العالمي وسنشهد حينها ذروة التخزين في كل مكان. فهناك 50 مليون برميل من النفط الخام يتم تخزينه كل أسبوع، وهو ما يكفي لتزويد ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة مجتمعين بالطاقة والوقود.

مع الكمية المحدودة من التخزين المتبقية، سيحتاج الإنتاج قريبًا إلى التباطؤ لتحقيق التوازن في السوق، مما سيمهد الطريق لارتفاع الأسعار بمجرد انتعاش الطلب تدريجيًا. وقد يتراوح سعر النفط بين 50 و 60 دولارًا العام المقبل، وربما أعلى من ذلك. وتوقع بنك جولدمان ساكس في السابق أن يرتفع سعر النفط "أعلى بكثير" من 55 دولارًا في 2021.

فأكثر من 3.6 مليار شخص يعيشون في حجر صحي شامل الآن والحياة الاقتصادية في توقف تام، ومن المتوقع أن ينخفض الطلب على النفط في 2020 بحوالي 10 برميل يوميًا بسبب فيروس كورونا. ولكن لن يستمر هذا الوضع للأبد، وسيتعطش العالم ورجال الأعمال للنفط مرة أخرى، وعندها سنشهد ارتفاع جنوني على الطلب بينما سينخفض المعروض!!

Nour Eldeen Al-Hammoury

شارك مع أصدقائك:

المماثل

أحدث الأخبار

التسجيل الفوري

تحتفظ FBS بسجل لبياناتك لتشغيل هذا الموقع الإلكتروني. بالضغط على زر "أوافق", فأنت توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا.